فصل: تفسير الآيات (76- 77):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (76- 77):

{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ (76) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)}
{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} قال ابن عباس: ما قدموا، {وَمَا خَلْفَهُمْ} ما خلفوا، وقال الحسن: {ما بين أيديهم}: ما عملوا {وما خلفهم} ما هم عاملون من بعد وقيل: {ما بين أيديهم}: ملائكته وكتبه ورسله قبل أن خلقهم، {وما خلفهم} أي: يعلم ما هو كائن فنائهم. {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} أي: صلوا، لأن الصلاة لا تكون إلا بالركوع والسجود، {وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ} وحده، {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} قال ابن عباس صلة الرحم ومكارم الأخلاق، {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} لكي تسعدوا وتفوزوا بالجنة. واختلف أهل العلم في سجود التلاوة عند قراءة هذه الآية.
فذهب قوم إلى أنه يسجد عندها، وهو قول عمر، وعلي، وابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وبه قال ابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق. واحتجوا بما أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي، أخبرنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي، أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي، أخبرنا أبو عيسى الترمذي، أخبرنا قتيبة، أخبرنا ابن لهيعة، عن مشرح بن عاهان، عن عقبة بن عامر قال: قلت يا رسول الله فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين؟ قال: «نعم، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما».
وذهب قوم إلى أنه لا يسجد هاهنا، وهو قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي.
وعدة سجود القرآن أربعة عشر عند أكثر أهل العلم، منها ثلاث في المفصل.
وذهب قوم إلى أنه ليس في المفصل سجود. روي ذلك عن أبي بن كعب، وابن عباس، وبه قال مالك. وقد صح عن أبي هريرة قال: سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: في {اقرأ} و{إذا السماء انشقت} وأبو هريرة من متأخري الإسلام.
واختلفوا في سجود صاد، فذهب الشافعي: إلى أنه سجود شكر ليس من عزائم السجود، ويروى ذلك عن ابن عباس وذهب قوم إلى أنه يسجد فيها، روي ذلك عن عمر، وبه قال سفيان الثوري، وابن المبارك، وأصحاب الرأي، وأحمد، وإسحاق، فعند ابن المبارك، وإسحاق، وأحمد، وجماعة: سجود القرآن خمسة عشرة سجدة، فعدوا سجدتي الحج وسجدة ص، وروي عن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن.

.تفسير الآية رقم (78):

{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)}
قوله عز وجل: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} قيل: جاهدوا في سبيل الله أعداء الله {حق جهاده} هو استفراغ الطاقة فيه، قاله ابن عباس: وعنه أيضا أنه قال: لا تخافوا في الله لومة لائم فهو حق الجهاد، كما قال تعالى: {يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم} [المائدة: 54].
قال الضحاك ومقاتل: اعملوا لله حق عمله واعبدوه حق عبادته.
وقال مقاتل بن سليمان: نسخها قوله: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16]، وقال أكثر المفسرين: حق الجهاد: أن تكون نيته خالصة صادقة لله عز وجل. وقال السدي: هو أن يطاع فلا يعصى.
وقال عبد الله بن المبارك: هو مجاهدة النفس والهوى، وهو الجهاد الأكبر، وهو حق الجهاد. وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك قال: «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» وأراد بالجهاد الأصغر الجهاد مع الكفار، وبالجهاد الأكبر الجهاد مع النفس.
{هُوَ اجْتَبَاكُمْ} أي: اختاركم لدينه، {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} ضيق، معناه: أن المؤمن لا يبتلى بشيء من الذنوب إلا جعل الله له منه مخرجا، بعضها بالتوبة، وبعضها برد المظالم والقصاص، وبعضها بأنواع الكفارات، فليس في دين الإسلام ذنب لا يجد العبد سبيلا إلى الخلاص من العقاب فيه.
وقيل: من ضيق في أوقات فروضكم مثل هلال شهر رمضان والفطر ووقت الحج إذا التبس ذلك عليكم، وسع ذلك عليكم حتى تتيقنوا.
وقال مقاتل: يعني الرخص عند الضرورات، كقصر الصلاة في السفر، والتيمم، وأكل الميتة عند الضرورة، والإفطار بالسفر والمرض، والصلاة قاعدا عند العجز. وهو قول الكلبي.
وروي عن ابن عباس أنه قال: الحرج ما كان على بني إسرائيل من الآصال التي كانت عليهم، وضعها الله عن هذه الأمة.
{مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} أي كلمة أبيكم، نصب بنزع حرف الصفة. وقيل: نصب على الإغراء، أي: اتبعوا ملة أبيكم إبراهيم، وإنما أمرنا باتباع ملة إبراهيم لأنها داخلة في ملة محمد صلى الله عليه وسلم.
فإن قيل: فما وجه قوله: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ} وليس كل المسلمين يرجع نسبهم إلى إبراهيم؟.
قيل: خاطب به العرب وهم كانوا من نسل إبراهيم. وقيل: خاطب به جميع المسلمين، وإبراهيم أب لهم، على معنى وجوب احترامه وحفظ حقه كما يجب احترام الأب، وهو كقوله تعالى: {وأزواجه أمهاتهم} [الأحزاب: 6]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما أنا لكم مثل الوالد لوالده».
{هُوَ سَمَّاكُمُ} يعني أن الله تعالى سماكم {الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} يعني من قبل نزول القرآن في الكتب المتقدمة. {وَفِي هَذَا} أي: في الكتاب، هذا قول أكثر المفسرين. وقال ابن زيد: {هو} يرجع إلى إبراهيم أي أن إبراهيم سماكم المسلمين في أيامه، من قبل هذا الوقت، وفي هذا الوقت، وهو قوله: {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك} [البقرة: 127]، {لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ} يوم القيامة أن قد بلغكم، {وَتَكُونُوا} أنتم، {شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} أن رسلهم قد بلغتهم، {فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ} أي: ثقوا بالله وتوكلوا عليه. قال الحسن: تمسكوا بدين الله. وروي عن ابن عباس قال: سلوا ربكم أن يعصمكم من كل ما يكره. وقيل: معناه ادعوه ليثبتكم على دينه. وقيل: الاعتصام بالله هو التمسك بالكتاب والسنة، {هُوَ مَوْلاكُمْ} وليكم وناصركم وحافظكم، {فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} الناصر لكم.

.سورة المؤمنون:

مكية.

.تفسير الآيات (1- 2):

{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)}
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أحمد بن الحسين الحيري، أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي، أخبرنا محمد بن حماد، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا يونس بن سليمان، أملى علي يونس صاحب أيلة، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: كان إذا نزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي يسمع عند وجهه دوي كدوي النحل، فمكثنا ساعة- وفي رواية: فنزل علينا يوما فمكثنا ساعة- فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال: «اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وارض عنا، ثم قال: لقد أنزل علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة»، ثم قرأ {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} إلى عشر آيات.
ورواه أحمد بن حنبل، وعلي ابن المديني، وجماعة عن عبد الرزاق، وقالوا: «وأعطنا ولا تحرمنا وأرضنا وارض عنا».
قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} {قد} حرف تأكيد، وقال المحققون: {قد} تقرب الماضي من الحال، يدل على أن الفلاح قد حصل لهم، وأنهم عليه في الحال، وهو أبلغ من تجريد ذكر الفعل، والفلاح النجاة والبقاء، قال ابن عباس: قد سعد المصدقون بالتوحيد وبقوا في الجنة. {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} اختلفوا في معنى الخشوع، فقال ابن عباس: مخبتون أذلاء. وقال الحسن وقتادة: خائفون. وقال مقاتل: متواضعون. وقال مجاهد: هو غض البصر وخفض الصوت.
والخشوع قريب من الخضوع إلا أن الخضوع في البدن، والخشوع في القلب والبدن والبصر والصوت، قال الله عز وجل: {وخشعت الأصوات للرحمن} [طه- 108].
وعن علي رضي الله عنه: هو أن لا يلتفت يمينا ولا شمالا. وقال سعيد بن جبير: هو أن لا يعرف من على يمينه ولا من على يساره، ولا يلتفت من الخشوع لله عز وجل.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، حدثنا مسدد، أخبرنا أبو الأحوص، أخبرنا أشعث بن سليم، عن أبيه، عن مسروق، عن عائشة قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال: «هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد».
وأخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو الحسن القاسم بن بكر الطيالسي ببغداد، أخبرنا أبو أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي، أخبرنا عبد الغفار بن عبيد الله، أخبرنا صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن أبي الأحوص، عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال الله مقبلا على العبد ما كان في صلاته ما لم يلتفت فإذا التفت اعرض عنه».
وقال عمرو بن دينار: هو السكون وحسن الهيئة. وقال ابن سيرين وغيره: هو أن لا ترفع بصرك عن موضع سجودك.
وقال أبو هريرة: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة فلما نزل: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} رموا بأبصارهم إلى مواضع السجود.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا علي بن عبد الله، أخبرنا يحيى بن سعيد، أخبرنا ابن أبي عروبة، أخبرنا قتادة أن أنس بن مالك حدثهم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم»، فاشتد قوله في ذلك حتى قال: «لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم».
وقال عطاء: هو أن لا تعبث بشيء من جسدك في الصلاة. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال: «لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه».
أخبرنا أبو عثمان الضبي، أخبرنا أبو محمد الجراحي، أخبرنا أبو العباس المحبوبي، أخبرنا أبو عيسى الترمذي، أخبرنا سعيد، عن عبد الرحمن المخزومي، أخبرنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أبي الأحوص، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يمسح الحصى فإن الرحمة تواجهه».
وقيل: الخشوع في الصلاة هو جمع الهمة، والإعراض عما سواها، والتدبر فيما يجري على لسانه من القراءة والذكر.

.تفسير الآيات (3- 4):

{وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4)}
قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} قال عطاء عن ابن عباس: عن الشرك، وقال الحسن: عن المعاصي. وقال الزجاج: عن كل باطل ولهو وما لا يحل من القول والفعل. وقيل: هو معارضة الكفار بالشتم والسب: قال الله تعالى: {وإذا مروا باللغو مروا كراما} [الفرقان- 72]، أي: إذا سمعوا الكلام القبيح أكرموا أنفسهم عن الدخول فيه. {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} أي: للزكاة الواجبة مؤدون، فعبر عن التأدية بالفعل لأنها فعل. وقيل: الزكاة هاهنا هو العمل الصالح، أي: والذين هم للعمل الصالح فاعلون.

.تفسير الآيات (5- 10):

{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10)}
{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} الفرج: اسم يجمع سوأة الرجل والمرأة، وحفظ الفرج: التعفف عن الحرام. {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ} أي: من أزواجهم، و{على} بمعنى من. {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} {ما} في محل الخفض، يعني أو ما ملكت أيمانهم، والآية في الرجال خاصة بدليل قوله: {أو ما ملكت أيمانهم} والمرأة لا يجوز أن تستمتع بفرج مملوكها. {فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} يعني يحفظ فرجه إلا من امرأته أو أمته فإنه لا يلام على ذلك، وإنما لا يلام فيهما إذا كان على وجه أذن فيه الشرع دون الإتيان في غير المأتي، وفي حال الحيض والنفاس، فإنه محظور وهو على فعله ملوم. {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ} أي: التمس وطلب سوى الأزواج والولائد المملوكة، {فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} الظالمون المتجاوزون من الحلال إلى الحرام وفيه دليل على أن الاستمناء باليد حرام، وهو قول أكثر العلماء. قال ابن جريج: سألت عطاء عنه فقال: مكروه، سمعت أن قوما يحشرون وأيديهم حبالى فأظن أنهم هؤلاء. وعن سعيد بن جبير قال: عذب الله أمة كانوا يعبثون بمذاكيرهم. {وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ} قرأ ابن كثير {لأمانتهم} على التوحيد هاهنا وفي سورة المعارج، لقوله تعالى: {وعهدهم} والباقون بالجمع، كقوله عز وجل: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} [النساء- 57]، {وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} حافظون، أي: يحفظون ما ائتمنوا عليه، والعقود التي عاقدوا الناس عليها، يقومون بالوفاء بها، والأمانات تختلف فتكون بين الله تعالى وبين العبد كالصلاة والصيام والعبادات التي أوجبها الله عليه، وتكون بين العبيد كالودائع والصنائع فعلى العبد الوفاء بجميعها. {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ} قرأ حمزة والكسائي {صلاتهم} على التوحيد، والآخرون صلواتهم على الجمع. {يُحَافِظُونَ} أي: يداومون على حفظها ويراعون أوقاتها، كرر ذكر الصلاة ليبين أن المحافظة عليها واجبة كما أن الخشوع فيها واجب. {أُولَئِكَ} أهل هذه الصفة، {هُمُ الْوَارِثُونَ} يرثون منازل أهل النار من الجنة.
وروي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا وله منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار، فإن مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله» وذلك قوله تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ}.
وقال مجاهد: لكل واحد منزل في الجنة ومنزل في النار، فأما المؤمن فيبني منزله الذي له في الجنة ويهدم منزله الذي له في النار، وأما الكافر فيهدم منزله الذي في الجنة ويبني منزله الذي في النار.
وقال بعضهم: معنى الوراثة هو أنه يئول أمرهم إلى الجنة وينالونها، كما يئول أمر الميراث إلى الوارث.